الحديث عن البناء بالمواد الطبيعية Natural Building ليس كمشاهدته، ومحاولة تصوره ليس كمعايشته، نقطة مهمة أشار إليها المهندس الراحل حسن فتحي بشكل مختلف قليلًا قبل عدة عقود حيث قال بما معناه (أن الناس يعجزون عن التفرقة بين التقنية والتصميم وبين أثر المواد في عملية البناء)، فالناس الذين عايشوا نهاية فترة البناء التقليدي بقي لديهم انطباع سلبي عنه نتيجة لسوء التنفيذ وسوء التصميم بسبب اضمحلال الخبرة المتوارثة وحلول التقنيات الحديثة للبناء بالاسمنت، الأمر الذي أدى إلى تقلص أعمار هذه الأبنية وتدني مستوى الحياة فيها من سوء تهوية وإضاءة وغيرها، وبالتالي الزهد فيها، بل والاعتقاد أن السبب هو المواد المستخدمة.
وكما لاحظت بنفسي، فإن الحديث عن البناء الطبيعي ليس كمشاركة منتجاته وتجاربه الناجحة، من حيث الانطباع الذي يتركه في نفس المشاهد نظرًا لصعوبة تخيل الأمر عند من لم يشاهد ذلك بعينه، فهو يميل بطبيعة الحال لاستدعاء صور الآثار المهجورة والمتهالكة بمرافقها البدائية المخزنة في مخيلته، والتي هي بعيدة كل البعد بطبيعة الحال عن الذي نحن بصدد الحديث عنه.
ولعل الفرصة تكون مناسبة في هذه التدوينة للإشارة إلى نقطة هامة، وهي أني استخدم مصطلح البناء الطبيعي وليس مصطلح البناء التقليدي، فهمي وقضيتي ليست كما يتباذر إلى أذهان البعض بأنني أسعى للعودة إلى الماضي، أو العيش في أجوائه. فهذا الاهتمام بتلك المواد والتقنيات، وهذا المشروع الذي أسعى لتنفيذه، ليس هو عودة للخلف وإنما هو خطوة للأمام، لإيماني كما آمن كثيرون من قبلي ولا زالوا، أن هذه التقنيات المهجورة بسبب بعض عيوبها متجاوزين كل إيجابياتها وإمكانيات تطويرها، تجيب عن أسئلة كثيرة لمشاكل وتحديات اليوم، البيئية منها والاقتصادية والاجتماعية والصحية، وربما ليس من المبالغة أن نقول السياسية. وأن الحياة في بيت طبيعي هو أسلوب حياة معاصر ومتقدم، أكثر تقدمًا مما هو عليه حال البناء الآن، موضوع واسع، لا بد أن نخصص له مقالة أو أكثر.