من أجل تنفيذ مشروع بناء منزلي الشخصي بالمواد الطبيعية وهي فكرة بدأت منذ عام 2012 والتي كانت أشبه بالحلم، قررت في شهر رمضان للعام 2016 أن أبني منزلًا طينيًا صغيرًا لأحدى قطط المنزل، لأضع خلاصة بعض ما تعلمته خلال الفترة الماضية ووضعه حيز العمل.
التجربة :
وقد جاءت هذه التجربة بعد قراءات مستمرة خلال عدة سنوات، وتجارب امتدت لعدة أشهر مع مادة الطين، تلك التي أخذتُ عيناتها من مناطق ومدن مختلفة من ليبيا، والتي كان الهدف منها الوصول إلى المزيج المناسب للبناء. المزيج المناسب هو المزيج الذي ينتج الكتل الأكثر صلابة، والأكثر مرونة، والأقل تأثرًا بالمياه، والأقل عرضة للانكماش والتشقق خلال فترة التصلب، والأكثر عملية في الاستخدام والتحضير (خامات بعض العينات كالطينة الخضراء من غريان على سبيل المثال تأتي شديدة التماسك والصلابة وتحتاج إلى النقع لأكثر من عشرة ساعات في الماء حتى يمكن تذويبها في الماء واستخدامها وعجنها)، والأكثر مناسبة من حيث السعر وطرق الحصول على موادها.
هذا المزيج الذي أقوم بالتجارب عليه يتكون من: الطين، أو التربة الطينية، الرمل، التبن، فكل مادة من هذه المواد لها دور تقوم به من أجل تحقيق الخصائص المطلوبة للمزيج، وهذا الدور تختلف درجته وجودته باختلاف خصائص ونوع هذه المادة والمواد الأخرى الممزوجة معها.
ويمكن ملاحظة أنني في الفقرات السابقة استخدم تعابيرًا نسبية لوصف هذه الخصائص المنشودة، وذلك لأن التجارب التي أقوم بها هي تجارب يدوية وليست مختبرية، والحكم عليها يتم بناء على المقارنة مع النتائج المختلفة، ورغم هذا فإن هناك خطوط عريضة يتفق عليها أهل الخبرة في المجال يمكن بها اعتبار هذا المزيج صالح للاستخدام إذا ما نجح في اجتياز بعض الاختبارت قبل وبعد التصلب.
المنزل الطيني :
في هذه التجربة تحديدًا، وقع الاختيار على هذا المزيج : تربة طينية من مدينة يفرن، رمال منطقة سيدي السايح، والتبن، بنسبة 1:2:1 بالترتيب، هذه النسبة هي نسب حسب الحجم وليس الوزن بطبيعة الحال. وهو الخليط الذي كنت حينها قد قررت استخدامه لبناء المنزل (حصل تغير سأتحدث عنه في وقت لاحق) ، هذه التربة الطينية هي التربة التي يستخدمها منصع الياجور في منطقة السواني وهو مصنع تعود تبعيته للدولة وتدخل معه مواد أخرى ليست من اهتمامنا على اعتبار أن منتجنا لا يتعرض للفرن وإنما يبقى نيئًا.
تم بناء هذا المنزل على ثلاثة مراحل، خلال يومان، هذه المرحلية ضرورية لأجل منح البناء فرصة التصلب حتى يتمكن من استيعاب المزيد من الوزن دون أن ينهار.
هذا المنزل يستوحي تصميمه من تصميم أبراج الحمام القديمة، وهي أبراج لطالما شدت انتباهي بشكلها المخروطي الجميل.
القاعدة التي ستظهر في الصور في آخر المقال هي قاعدة من قطع الياجور ( طوب الآجار ) أحاكي بها القواعد الحجرية التي توضع تحت الأبنية الطينية والتي تكون وظيفتها الأساسية هي منح قاعدة صلبة وثابتة للبناء وتحميه من انتقال الرطوبة إلى الجدران، فالجدران الطينية لها قدرة عالية على تحمل المياه ما لم تكن هذه المياه أو الرطوبة موجودة بشكل مستمر بحيث يتغلغل خلال فترات طويل مسببًا انهيارًا كاملًا.
تكسية المنازل بالجير إضافة إلى كونه عامل جمالي، فهو أيضًا مما يوفر الحماية الإضافية من المياه وتقليل الحاجة للصيانة، والحوائط المكسوة بالجير هي حوائط صحية من حيث أنها تسمح بمرور الرطوبة، وهي مقاومة للفطريات والطفيليات والجراثيم بحيث لا تعيش أي منها على سطحها. أما في هذا المنزل فالمستخدم هو جير هوائي مطفى تونسي، تم استخدامه مباشرة، رغم أن الأصح والأجود هو ترك الخليط يتخمر لعدة أسابيع وحتى أشهر، لتحسين جودته ومرونته وصلابته (تفصيل عن هذا الموضوع سيأتي لاحقًا).