منتحرينا منتحراتي .. أسعد الله مماتكم،
لم يحدث أي خلاف في مسألة الانتحار إذ لم تعقد بعد أي مجالس بين الأحياء والأموات حول مسألته، ولكن اختلف الأحياء في ما بينهم حول مسألة الانتحار بشدة، ولست أدري لماذا يفعلون ! الأمر كله بسيط، وكل شيء يسير وفق قوانين .. ويقول القانون الأهم لأطمئن الأخوة المقبلين على الانتحار : "حريتك تقف عند حرية الآخرين".
وبناء على نص هذا القانون الصريح، لا يوجد ما يمنع من الانتحار، طالما أن جثتك الملقية من الدور الخامس لم تهمد فوق سيارة، وما لم يحرق الكانون الذي سرق أنفاسك البيت، وما لم تخدش الرصاصة التي اخترقت رأسك طلاءه، وما لم يوسخ دمك الثائر من أي نقطة مهما كانت الطريقة البساط الوليدي الفاخر القابع تحت أقدامك المبتلة، وما لم يسحب حبلك معه جزء من السقف، وطالما أنك حرصت على استخدام أنبوبة غاز ربع ممتلئة تكفي لقتلك ولا تكفي لإحداث ضجة مع أول شرارة، وأخيرًا، طالما أن علبة الأدوية التي ابتلعتها كاملة ليس ملكًا لغيرك !
باختصار، أنت حر، فقط أخرج من باب الحياة دون أن تصفعه، ودون ضجيج، أمسكه إن كان التيار قوياً، فهذه مسألة ذوق عام، اختر الوقت المناسب والمكان المناسب، فلا تنتحر قبل أسبوع من فرح أختك، ولا في شقة تسكنها بالإيجار، لا تكن أنانيًا وفكر في غيرك، ضع مفاتيح سيارتك وأملاكك وأرقام حساباتك وعقودك وحصتك من الثروة في مكان واحد، لتقلل بذلك من نسبة الدعاء عليك وتريح ذويك ولـتكمل جميلك حتى النهاية، فلعلك تنال منهم دعاءًا صالحًا يدخلك الجنة.
لا تنسى أن تدفع جميع ديونك ولا سيما قيمة 432 دينار التي دفعتها الحكومة بمقدار دينارين شهرياً على طفولتك البائسة لمدة ثمانية عشر عاماً، وهي تطمع في أن تكون جزءًا فعالًا سيُعوض عليها يومًا هذا المبلغ. إذا كنت قد اشتركت في أي منتدى، لا تنسى بأن تحرر موضوع في قسم الترحيب تودع فيه زملائك للأبد، تتحدث فيه عن مشروعك المستقبلي وعن أسبابه، وكن لطيفاً فالناس لا يحبون أن يخاطبهم المنتحرين بلهجة غرور أو تعالي فقط لأنه مقبل على مشروع انتحار .. تواضَع رجاءًا.
إن كنت جباناً، فاستخدم رجاءًا تقنيات الانتحار السريعة المضمونة. أما إن كنت من النوع الجبان المثير للشفقة، فيمكنك الانتحار باستخدام الأدوية، لأن الاحصائيات تؤكد أن 80% من المحاولات لا تنجح، وأنها مجرد رسالة يبعث بها الشخص لمن حوله! ولاستخدام هذه الطريقة يجب أن تكون بائساً من حياتك على الأقل بنسبة مساوية لنسبة الخطورة 20٪ فما فوق.
أما إن كنت شجاعاً جداً، فاقترح عليك الانتحار بواسطة المخدة والوسادة والبطانية، أقصد الانتحار بالنوم طبعاً، لا تضيع وقتك أبدًا واستغل ما استطعت من ال 24 ساعة للنوم، ولا تصدق نجية عندما تقول: "نوض .. اللي يرقد يرقد على زمانه"، وجَدول مواعيدك على أن تكون فترات استراحتك من النوم في منتصف الليل من الساعة الثالثة إلى الساعة الخامسة، وأحرص على أن تنام مبكراً، فليس من الضروري أن تكون صاحياً عندما يقول أحدهم أن الصلاة خير من النوم لأن الأمر لا يعنيك، وإني أخشى أن تخير بين الأمرين وأنت صاحي .. فتختار النوم.
صديقي محمد قد انتحر وهو حر في ذلك كما قلت في البداية، أقصد بإختصار شديد محمد ( إنت حر ) أو ( انتحر ) أو شيء من هذا القبيل!