فروسية .. قصة التقاط صورة

فروسية .. قصة التقاط صورة

ليلي | نهاري

هذه الصورة أخذت يوم 21 - 9 - 2011 الساعة الخامسة والنصف مساءاً بعد تحرير طرابلس بفترة قصيرة وقد دعاني إلى هناك صديقي المصور ميلود أبوسليم. المنطقة عبارة عن مزرعة داخلية في منطقة طريق المطار . أذكر أن الغروب في تلك الفترة كان عند حوالي الساعة السابعة مساءاً .. المناسبة كانت " حفل زواج " ، وربما كان هذا من أولى الأعراس التي أقيمت حينها وأقيم فيها " ملهاد لل خيل " في تلك الفترة، الحماس كان واضحاً على الفرسان، وفي شوقٍ إلى الإستعراض، كما أشار بعضهم إلى أن الخيول قد فقدت بعض لياقتها جراء مكوثها في أمكنتها لأشهر طويلة . على أي حال .. دخلت إلى المزرعة وقد كنت مصمماً على عكس العادة أن أجتاز فكرة تصوير الملهاد " الحدث الرئيسي " فقد قمت بتصويره سابقاً وأعتقدت أن تصوير الملهاد عند إقامة الملهاد هو " الأمر الطبيعي " الذي كان ليسلكه أي إنسان جاء بكاميرة .. فأخذت أصول وأجول حول الملهاد مُركِّزاً على الحضور وعلى ما وراء كواليس الملهاد حيث يستعد وينتظر الفرسان. انتبهت إلى وجود كومة من الخشب المرصوصة وإلى المشهد خلف هذه الأخشاب والذي انتبهت إلى أنه كان خاليا من أي تفاصيل مدنية " حضارية " ، فتلك المناظر أفسدت عليَّ الصور في الكثير من المرات التي ذهبت فيها لحضور مثل هذه الأفراح لأنها كانت تشوه موضوع الصورة الذي كنت أريده " عودة إلى الماضي بتقنيات حديثة "  حيث كنت أقوم بالبحث عن وتصوير مشاهداً تليق بأن تكون مشاهداً للمجاهدين ضد الغزو الإيطالي ولكن بتقنيات حديثة.

بعد أن وجدت ذلك المنظر وتلك الأخشاب .. قمت بالإستقرار في تلك المنطقة وبدأت ألاحظ الحركة فيها وانتبهت إلى أنه مسار عودة الفرسان الذين انتهوا من الركض في الملهاد. إنهم يعودون من ذلك المسار بل ويذهبون منه .. حينها اكتشفت أن كل العناصر أصبحت متكاملة لإنشاء الصورة التي أخذت ملامحها في الإرتسام في مخيلتي وأنا أتجول هنا وهناك في الملهاد .. لم تكن هذه المرة الأولى التي أحاول فيها أن ألتقط صورة تحاكي مشاهداً قد مضى عليها قرن من الزمان لهذا كنت منتبهاً لأخطاءً كثيرة كنت سبق وأن قد وقعت فيها في محاولات سابقة خصوصاً خطأ وجود العمران الحديث في المشهد ..

الشيء الوحيد الذي كان ينقصني هو تكوينٌ جميل .. ولست أقصد المكان ولا الزاوية فهاذين تحت تصرفي وليس صعبٌ إيجادهما، ولكن الصعب هو التعامل مع المتغيرات التي لا نملك أن نغيرها إلا بتدخل مباشر يفسد للعمل عادةً عفويته .. كـ " تصوير الإنسان ". ويزيد التحدي بإزدياد عدد الأشخاص في التكوين .. فحينها تصبح هناك تحديات أخرى. مثل زوايا إلتفات هؤلاء الأشخاص بالنسبة لزاوية الإلتقاط ووضعياتعهم ووضعية ثيابهم لحظة الإلتقاط .. وفي مثل هذه الصورة لم يكن بوسعي إلا تحديد عدد الأشخاص الداخلين في الصورة وترتيبهم بشكل عام مع التركيز على وضعية الشخص الأمامي والذي خلفه، ويمكن ملاحظة أن هناك شخص خامس تأخر في الدخول إلى الكادر فأضطررت للتضحية به فقد وصل الفارس الأول إلى نقطة لا يمكن فيها الإنتظار وإلا خرج رأس الفرس من الصورة ..

هذه الساعة من النهار هي المفضلة بالنسبة لي خصوصاً عندما تكون الشمس من خلفي ، فقبل ساعة ونصف من الغروب إلى حوالي النصف ساعة تصبح الشمس ذات درجة ميلان شديدة وذات وهج برتقالي ساحر وجذاب .. وتصبح الظلال فيها طويلة. بعض النقاد يسمونه ب " الوقت الذهبي " وهو ممتاز في مناسبات عدة ولكنه توقيت له عيوبه أيضاً. ليست كل صورة تلتقط خلال هذا الوقت صورة جميلة !

كان من الضروري بالنسبة لي أن يكون تصوير هذا المشهد في هذا التوقيت لعدة أسباب ، إذ أنني وجدت أن الشمس العمودية والمرتفعة تسبب لي عند تصوير مرتدي الجرد - خصوصاً عندما يغطون به رؤوسهم - ظلاً على الوجه وعادة ما يكون مزعجاً، الأمر الثاني أن هذه الإضاءة تعكس المزاج الصحراوي الحار وهو بالتحديد الجو الذي قاتل فيه المجاهدين الليبيين الإيطاليين خصوصاً بعيداً عن السواحل، والحقيقة أن إصفرار السماء في ذلك الوقت لا يصل لهذه الدرجة ولكن أقوم بتعديل ما يسمى بال " وايت بالنس " أو توازن اللون الأبيض، فالكاميرا لا تعرف ما هو اللون الأبيض ولكن تتوقعه توقعاً بواسطة تحليل الصورة فالعين البشرية مثلاً ترى الأبيض دائماً أبيضاً رغم أنه عندما يتعرض لإضاءة كهذه التي في الصورة يصبح أبيضاً مصفراً ويصبح تحت الظل أبيضاً مزرقاً ولكن العقل البشري يقوم بأقلمة نفسه بحيث يرينا الأبيض أبيضاً تحت كل الظروف. ووحدها العين المتمرسة وخصوصاً التي تخوض مجال الفن والتصوير من تستطيع أن تعرف متى يقوم العقل بخداعها فتتمكن من تمييز الألوان الأصلية ومعرفة مدى تأثير لون الضوء عليها. وعلى أي حال .. فقد قمت بالتلاعب بهذه الخاصية - توازن اللون الأبيض - في الكاميرا لأوهم الكاميرا أن الأبيض الذي نبحث عنه هو أبيض معرض لشمس " القيلولة " التي يختلف لونها عن لون شمس الغروب لهذا فإن الكاميرا أعتقدت بأن الأبيض في الصورة هو أبيض مائل للزرقة، وعليه فقد قامت الكاميرا بإضافة اللون الأصفر إلى الصورة وهو " اللون المكمل أو المضاد للون الأزرق " لتحاول أن تجعل الأبيض أبيضاً ولكن هذا طبعاً لن يحصل لأنني أعطيت معلوماتٍ خاطئة للكاميرا. وهذه القاعدة معروفة في عالم الألوان الرقمية الألوان المكملة لبعضها عندما تتمازج بكمية متساوية فإنها تعطي اللون الأبيض. وفي الحقيقة لم أكذب على الكاميرا، فالأبيض الموجود في الأماكن المظللة لا يتأثر باللون الأصفر للشمس. فمناطق الجرد المعرضة للشمس لها درجة من الإصفرار ولكن نفس مناطق الجرد الواقعة تحت الظل يصبح لها تدرج لوني أزرق نسبياً. لهذا ما قمت به هو أنني عرفت اللون الأبيض للكاميرا بناء على لون الجرد الواقع تحت الظل، لأنني كنت أريد الجرد ناصع البياض ولا بأس إن وجدت درجة بسيطة من الإصفرار في المناطق المعرض للشمس. اللون الأزرق في المناطق المظللة من الجرد كان ليعطي بروداً للمشهد ويجعل الجرد يفقد فخامته ... ولهذا تلاعب بتوازم اللون الأبيض وهذا سبب ميول مناطق الصورة المعرض للشمس للإصفرار بينما أحتفظت المناطق المظللة ببياض ناصع ..

أخيراً .. فإن إعطاء هذه الدرجة من الإصفرار مع عدم إلحاق الضرر بالألوان الأخرى يحتاج إلى يكون المشهد مصفراً بالفعل وإلا فإن الإصفرار المضاف سواء من الكاميرا أو عند المعالجة يجعل الإصفرار يبدوا صناعياً ويُفقد المشهد الكثير من الألوان الأخرى.

كتب: أحمد زبيدة
يوم الأربعاء 22 فبراير 2012