فيزياء الإحساس

فيزياء الإحساس

ليلي | نهاري

إنني وعندما أصور الأشياء لا أصور إلا نفسي، وما نفسي إلا تلك القابعة القابلة للاستفزاز، وأما هذه القابلية فلا تتأثر إلا بالاصطدام، إذ يجب على المشهد أن يصطدم بذاكرتي كي يحدث في أمراً، أو بإحساس ما، ليعيد رسم مزاجي. لا بد أن يتمكن المشهد بتفاصيله من تشتيتي، كي يسرق انتباهي، ويجبرني على إخراج العدسة من ظلمات الحقيبة، في محاولة مني لسجنه داخل الإطار، لا أعرف لماذا ألتقط الصور، ولا لماذا ولا أيضًا لمن، ولكن هذا التأطير يريحني، ومبدأ "الاحتفاظ" يطمئنني على أي حال، فهو وحده هو من يسمح لي بالمغادرة تاركاً الأسئلة معلقة دون إجابات، والمبهمات بلا تفسيرات، بحجة "تأجيلها إلى حين". لم يستهوني التصوير الصحفي يوماً ولا التصوير "حسب الطلب"، فهو أمر يهم المُصوَّّر بفتح الواو والمصوَّر به والمصوَّر إليه، ولا أبدوا فيه أنا، أو أي مصور صحفي – حسب وجهة نظري – أكثر من حاملة تحتاجها آلة التصوير للثبات عليها.

ليس هناك مكون أو مكان في هذا العالم إلا وقد تم تصويره من كل الاتجاهات تقريباً، لهذا فإن الصورة التي لا تحمل رؤية شخصية أو وجهة نظر أو أي إحساس معها هي صورة عادية لا تستحق أكثر من نظرة عابرة كتلك الصحفية الإخبارية، وإن تصوير الجمال يختلف تمام الاختلاف عن صنع الجمال ابتداء من اللا شيء، إذا .. الصورة التي تحدث أثراً عميقاً في المتأمل هي الصورة التي تحمل في عمقها أكثر من دلالات الأبعاد الأربعة "المكان والزمان" وعلاقة "ضدية" بين أكثر من طرفين، بين أكثر من الضوء والظلام في علاقة التباين، بين أكثر من المحيط والمحيط به في علاقة التكوين، وأكثر من اللون و اللا لون في علاقة التشبع. شيء ما لا أدري ما هو .. ولا يجب أن يدري أحد ما هو .. ولكنه هو تحديدا وبعد استثناء ما هو غيره ما يمنح الصورة الخلود القيمي وليس الزمني فحسب.

هو الشيء الذي يجعلك تتوقف أمام الصورة في حالة استفهامية لا تجد لها سؤالاً، والذي يجعلها تتسم باللا وضوح رغم وضوحها، إنها الصورة التي تريك غلاف مظروفها وطابعها البريدي ولا تريك محتوى رسالتها، هي الصورة التي تسمح لك رغم أنها تقول كل شيء بأن تقول عنها شيء ظناً منك أنك تسعفها بشيء يغطي فقرها للشيء ذاته، إن أي صورة تعري نفسها أو تكشف عن إجاباتها تموت، وإن موت الصورة في أن يقال عنها "صورة حلوة".

لست بصدد محاولة خلق قانوناً فوتوغرافياً جديداً هنا ، ولا ادعاء أنني في مستوى ذلك، هي فقط خلاصة لبعض تأملاتي الشخصية من خلال معاشرتي آلة التصوير، وأنا التي أتحدث عنها هنا هي " عيني – علاقة ذاتي بالأماكن – أحاسيسي – ذكرياتي – عواطفي – بصيرتي – نفسي المتسمة بحب الاحتفاظ "، وما أريد أن أكون عليه ، والمقياس الذي من خلاله أحدد بأن ذلك العمل ناجح وبأن الآخر فاشل.

كتب: أحمد زبيدة
يوم الأربعاء 24 فبراير 2010