أحمد إبراهيم زبيدة مصور فوتوغرافي ليبي الجنسية من مواليد 1-1-1985 طالب بكلية الطب البشري يتحدث اللغة العربية والفرنسية والانجليزية لديه العديد من الاهتمامات إلى جانب التصوير منها تصميم المواقع الالكترونية والكتابة الساخرة وكل ما يتعلق بالعلوم الشرعية ولديه العديد من المشاركات في الأعمال الصحفية، يمكنكم الاطلاع على أعماله بمعرضه الفوتوغرافي الالكتروني الخاص www.ok.ly ـ
لو قررنا الحديث عن لعبة التباين في الصورة الفوتوغرافية فلدينا نموذج حي يتمثل في مجموعة من الأعمال التي قدمها المصور الليبي أحمد زبيدة في معرضه الألكتروني " حديث الضوء " ويمكن القول أنه تميز في تقديم الصور التي تدور فكرتها الأساسية حول " التباين " بين الظلام والضوء و حركة الظلال لتكون هذه العناصر تجمع بين الحرفية والتقنية العالية بالجانب التأويلي المفتوح على عدد غير محدود من الدلالات والتي قد تتخطى الرسالة أو الفكرة أو الدلالة الرئيسية التي أراد تقديمها المصور صاحب العمل في المقام الأول ، فقراءة الصورة الفوتوغرافية قد يٌحمل بطريقة ما ببعض الرموز المشبعة بالخلفية الثقافية للمتلقي ، مما يجعل لكل منا رؤيته الخاصة لهذه المساحة من الظلال أو هذا التباين ما بين الظلام والضوء لتكون ترجمة لما ترسب بالفعل ورسخ بداخله منعكساً علي صورة فوتوغرافية ، ويمكن القول أن هذا النوع من الإعمال هي الأكثر استطاعة على تحفيز هذا الجانب التأويلي أكثر من غيرها لما تحمله من مساحات تنقل من خلالها الدلالة الخفية والتي فروعها في الصورة وجذورها في المتلقي .. تلك الصورة الذي توقف أمامها دون غيرها " لتأملها " تحت تأثير هذا التكوين الذي حدث بداخله بعد نظرته الأولي عليها، " فرولان بارت " في علبته النيرة اعتبر أن للصورة تأثيرين الأول الانجذاب النفسي نحو صورة معينة و الثاني ما أطلق عليه " الوخز " الذي تحدثه الصورة في المتلقي وهو الجانب الذي يدفعك أكثر لتأملها وتحليلها فيمكن بالفعل أن نجد الكثير من الصور الجميلة ولكننا لسنا بالضرورة نحبها أي لم نشعر أمامها بالوخز أو لأنها مجرد جمال لا يقدم معنى ويمكنني القول من خلال هذا المنطق في قراءة الصور الفوتوغرافية أنني أمام الكثير من أعمال هذا المصور لم يتوقف شعوري بـ " الوخز " وأظن أن هذا ما حدث مع الكثيرين من متتبعي أعماله.
يمكن الشعور بانفتاح حقول التأويل أمام كل من هذه الأعمال التي تتحد فيها العناصر لتمثيل قيمة دلالية قد ترتبط بعنصر المكان وقد تتعدي ما بداخلها من عناصر، فلو فكرنا بالدلالة التي ترتبط بالمكان أو الضوء أو الظلال أو التكوين بشكل عام بتأمل الصورة الأولي والتي التقطت في " بيت فوزية شلابي " بالمدينة القديمة طرابلس نجد ذلك الباب يمثل ( المخرج الضوئي) الذي يحكى قصة ( انقضاء عهد وبداية آخر ) فكل القابع في الظلام هو مجرد بقايا لكل ما كان وكل المخفي في الضوء البعيد هو عالم جديد لا نعلم عنه شيئاً ، عالم يشير إلي مستقبل غير معروف ويمكننا رؤية آثار الأقدام المتوجهة نحو الباب وكأنها حياة من سكنوا هذا المكان ترحل عنه نحو الضوء ، وقد تتخطى التأويلات عنصر المكان فقد نجد في الضوء قيمة قد تمثل ( الانعتاق – الحرية – الرحيل – الأمل ... ) ، مشحونة في تكوينات الصورة الفوتوغرافية كبُعد نفسي يشترك فيه أكثر من متلقي علي اختلاف حالتهم النفسية والثقافية مما يعطي للصورة عدداً لا محدود من التأويلات.
عملية التصوير تبدأ في العقل وليس في الكاميرا فلحظة التمعن التي يعيشها المصور أمام العنصر المقبل على تصويره يٌكون صورة مبدئية في عقله تعكسها العدسة فيما بعد كصياغة تمهيدية تفضي إلى التكوين النهائي وفى سبيل الوصول إليه قد يحذف أو يعيد تكوين الأشياء ، أجد مثلاً في الصورة الثانية شيء من التجريدية فالعنصر الذي تتكون منه الصورة بكتلته النصف ظاهرة ( موجود ) مقدم بشكل ليس له علاقة بحقيقته في الواقع و لو ظهر كاملاً بأبعاده الواقعية لترك انطباعا مختلفاً لدى المتلقي فالمصور يعمد أحياناً إلي إعادة تشكيل كتل العناصر بإبراز بُعد ما و إخفاء أخر بها ليقدم فكرته ، ودائما ما تدفع هذا النوع من الصور المتلقي إلى النظر أكثر للصورة لتحليل ماهية هذا العنصر أو ذاك ، في هذه الصورة مثلا يظهر نصف مربع مزخرف من الحديد الذي يوضع على نوافذ الطوابق الأرضية في المباني ونصفه الآخر غارق في الظلام ، فبنظرتي الأولي للصورة اعتقدت أنها " صورة عشب يميل بأوراقه " ( اللاموجود) حتى أنني أطلقت عليها اسم " النبتة المعدنية " وارتبطت في ذهني بهذا المفهوم أنه شي يشبه إلى حد كبير صناعة الدال اللغوي المراوغ.
عند ذلك تكون هناك إمكانية لعمل آلية الإسقاط من اللاوعي المتمثلة في شبكة من الدوال المتجمعة في تلك الصورة مع تلك الرغبة وقد تكون هذه العناصر مبعثرة أو ليس لها علاقة ظاهرية تربطها ببعضها إلا أن تواجدها جميعاً في مكان واحد جعل منها موضوعاً للإسقاط ، وربما تكون هذه الأفكار هي ما تبينته الحركة السريالية التي اعتمدت اكتشاف فرويد للاشعور لفترة من الزمن قبل أن يصدر "ريد" بيانه في نقد هذا الاتجاه لتكون جذورها التي كبرت فيما بعد بشكل مستقل ، الصورة الثالثة أشبه بمشهد من مشاهد الأحلام التي قد تراودنا ضمن أحداث من دون أن نستطيع أن نفسر معناها كصيغة يقدمها اللاشعور للتعبير عما يدور بداخله ، فالحديد المائل على الحائط الملطخ بالبقع الإسمنتية و التي يطغي عليها اللون الأخضر الذي يرجع لاختياره المصور يرمز بشكل ما إلى " الطحالب " التي بدورها ترمز هنا إلى ( العفن - التلطخ - العثرات) وعادة ما يحدث هذا الاختيار بشكل لا إرادي ، الحديد المائل الذي يبدو انه جزء من نافذة (واقع) يبدو في تلك الوضعية اقرب إلى ( سلم – درج – جسر) ( تأويل ) نحو النافذة التي هي ( السماء – الخير – الجنة – الانعتاق – الخاتمة ) ويمكن بالتالي أن نقول أن البقعة البنية " تراب الأرض الذي يحمل المشهد بأكمله ما هي إلا إحدى طرفي الثنائي الكوني الأرض و السماء أي " الحياة – بداية الرحلة وكل شيء " ، هذه الصورة تصور صراع الرغبات أو صراع الإنسان مع ذاته ومع الحياة رغبة في الوصول إلى كل ما من شأنه أن يقوده نحو الأفضل ، وتعد هذه الصورة من أكثر الصور التي لاقت قبولاً لدي المشاهدين.
تتسم مجمل أعمال المصور أحمد زبيدة فيما يخص فكرة التباين ما بين الظلام والضوء بالبساطة في التكوين وقوة التعبير في آن واحد، دون حشو في أبعاد الصورة من شأنه أن يشتت الانتباه.. موضوع واحد في بؤرة الاهتمام يحمل في داخله مجموعة من التفاصيل بمدلول يتعدي ذاتها يمكن إدراكه ببلاغة بصرية لا أكثر